فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [78].
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} أي: بذلك، لأنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين.

.تفسير الآيات (79- 80):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [79- 80].
{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي: نحفظه عليه للْمُؤَاخَذَة به: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} بمضاعفته له، جزاءً لاستهزائه.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي: ننزع عنه ما آتيناه من مال وولد، فلا يبقيان له حتى يمكنها قطع العذاب عنه: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} أي: في الحشر، لا يصحبه مال ولا ولد. فما يجدي عليه تمنّيه وتألّيه.
وقد روى البخاريّ: عن خَبَّاب رضي الله عنه، قال: كنت قيناً- حدَّاداً- في الجاهلية بمكة. فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد.
قلت: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث. قال. فذرني حتى أموت، ثم أبعث فسوفَ أوتَى مالاً وولداً فأقضيك. فنزلت الآية. قال ابن عباس: فضرب الله مثله في القرآن.

.تفسير الآية رقم (81):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً} [81].
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً} أي: ليتعززوا بهم، بأن يكونوا لهم وصلة إليه عزّ وجلّ، وشفعاء عنده.

.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [82].
{كَلَّا} أي: ليس الأمر كما زعموا، ولا يكون ما طمعوا: {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْْ} أي: ستجحد الآلهة استحقاقهم للعبادة: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} أي: يريدون إهلاكهم، إذا أوقعوهم في هلاك دعوى الشرك، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5- 6]. وقال تعالى: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} [النحل: 86]، قيل: المراد بالآلهة من عُبِدَ من ذوي العلم. لإطلاق ضمير العقلاء عليهم ونطقهم. وقيل: الأصنام. بأن يخلق الله فيهم قوة النطق، فيطلق عليهم ما يطلق على العقلاء. وقيل: الأعم منهما، وهو الأظهر.

.تفسير الآية رقم (83):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [83].
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي: بأن سلّطناهم عليهم ومكّنّاهم من إضلالهم. أو قيضناهم لهم يغلبون عليهم: {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} أي: تغريهم وتهيجهم على المعاصي، بالتسويلات وتحبيب الشهوات، تهيجاً شديداً.
قال الزمخشريّ: الأز والهز والاستفزاز أخوات. ومعناها التهييج وشدة الإزعاج والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار، وأقاويلهم وملاحاتهم ومعاندتهم للرسل، واستهزاؤهم واجتماعهم على دفع الحق بعد وضوحه وانتفاء الشك عنه، وانهماكهم لذلك في اتباع الشياطين وما تسوّل لهم. فهذه الآية كالتذييل لما قبلها وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (84):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [84].
{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} أي: بوقوع العذاب بهم لتطهر الأرض منهم. والفاء للإشعار بكون ما قبلها مظنة لوقوع المنهيّ عنه، محوجة إلى النهي. يقال: عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} تعليل لموجب النهي، ببيان اقتراب هلاكهم. أي: إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط، ونحوه قوله تعالى: {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35].
قال الشهاب: العدّ كناية عن القلة. وقلته لتقضّيه وفنائه، كما قال المأمون ما كان ذا عدد، ليس له مدد، فما أسرع ما نفد ولا ينافي هذا ما مرَّ أنه يمد لمن كان في الضلالة. أي: يطوّل. لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم. وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله. ولله در القائل:
إن الحبيبَ من الأحباب مختلَسُ ** لا يمنع الموتَ بوَّابٌ ولا حَرَسُ

وكيف يفرحُ بالدنيا ولذّتِهَا ** فتى يُعَدُّ عليه اللفظُ والنَّفَسُ

.تفسير الآية رقم (85):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [85].
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} أي: وافدين عليه. وأصل الوفود القدوم على العظماء للعطايا والاسترفاد. ففيه إشارة إلى تبجيلهم وتعظيمهم، المزورِ والزائرِ.

.تفسير الآية رقم (86):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [86].
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} أي: عطاشاً. وفي ذكرهم بالسَّوْق إشعار بإهانتهم واستخفافهم. كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء. والورد: الذهاب إلى الماء، ويطلق على الذاهبين إليه. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (87):

القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [87].
{لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} الضمير لأصناهم المتقدم ذكرها في قوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً} [81]، ردٌّ على عابديهم في دعواهم أنهم شفعاؤهم عند الله. واتخاذ العهد هو الإيمان والعمل الصالح. أي: لكن من آمن وعمل صالحاً فإنه يشفع للعصاة على ما وعد الله تعالى. وجوز أن يكون العهد بمعنى الإذن والأمر. يقال: أخذت الإذن في كذا واتخذته بمعنى. من باب عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به. أي: لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة، المأذون له فيها. وتعضده مواضع في التنزيل: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه: 109]، ونحوه هذه الآية قوله تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، ولما قرر تعالى في هذه السورة عبودية عيسى عليه السلام، وذكر خلقه من مريم بلا أب، عطف عليه حكاية جنايتهم من دعوى النبوّة له، مهولاً لأمرها. وكذا جناية أمثالهم من اليهود والعرب ممن يسمي بعض المخلوقات ابناً أو بنتاً له، تعالى وتقدّس- عطف قصته على قصته بقوله:

.تفسير الآيات (88- 89):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} [88- 89].
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} أي: عظيماً منكراً. وفي رد مقالتهم وتهويل أمرها بطريق الالتفات، إشعار بشدة الغضب المفصح عن غاية التشنيع، والتسجيل عليهم بنهاية الوقاحة والجراءة والجهل. ثم وصف شدة شأن مقولهم بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (90- 93):

القول في تأويل قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [90- 93].
{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} أي: يتشقّقن: {وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ} أي: لأن: {دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} وذلك لغيرتها على المقام الربانيّ الأحديّ أن ينسب له ما ينزه عنه ويعر بحاجته ووجود كفء له وفنائه. وذلك لأن الولادة إنما تكون من الحيّ الذي له مزاج فهو مركب ونهايته إلى انحلال وفناء، وهو سبحانه تنزه عن ذلك، كما قال: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} أي: مملوكاً له يأوي إليه بالعبودية والذل.

.تفسير الآيات (94- 95):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [94- 95].
{لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ} أي: حصرهم وأحاط بهم إحاطة لا يخرج بها أحد عن حيطة علمه وقبضة قدرته: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} أي: منفرداً مجرداً من الأتباع والأنصار، وعمن زعم أن له من الشفعاء. فإنهم منهم برآء. ولما فصل مساوئ الكفرة، تأثره بمحاسن البررة، فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (96):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [96].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} أي: يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة، من غير تعرض للأسباب التي تكسب الود. كذا قالوا في تأويله. وقال أبو مسلم: معناه أنه يهب لهم ما يحبون. قال: والود والمحبة سواء. آتيت فلاناً محبته. وجعل لهم ما يحبون وجعلت له وده. ومن كلامهم: وددت لو كان كذا. أي: أحببت. فمعناه سيعطيهم الرحمن ودهم أي: محبوبهم في الجنة. ثم قال أبو مسلم: وهذا القول الثاني أولى لوجوه:
أحدها: كيف يصح القول الأول مع علمنا بأن المسلم المتقي يبغضه الكفار وقد يبغضه كثير من المسلمين؟
وثانيها: أن مثل هذه المحبة قد تحصل للكفار والفساق أكثر، فكيف يمكن جعله إنعاماً في حق المؤمنين؟
وثالثها: أن محبتهم في قلوبهم من فعلهم. فكان حمل الآية على إعطاء المنافع الأخروية أولى. انتهى. وقد حاول الرازيّ التمويه في اختيار الأول والجواب عن الثاني. والحق أحق. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (97):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} [97].
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} أي: سهلنا هذا القرآن بلغتك: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} أي: الذين اتقوا عقاب الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، بالجنة: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} أي تخوف بهذا القرآن عذاب الله قومك من بني قريش. فإنهم أهل لدد وجدل بالباطل، لا يقبلون الحق واللدد شدة الخصومة. والباء في قوله: {بِلِسَانِكَ} بمعنى على. أي: على لغتك. أو ضمّن التيسير معنى الإنزال أي: يسرنا القرآن، منزلين له بلغتك، ليسهل تبليغه وفهمه وحفظه.
قال الزمخشريّ: هذه خاتمة السورة ومقطعها. فكأنه قال: بلّغ هذا المنزل، أو بشر به وأنذر، فإنما أنزلناه الخ، أي: فالفاء لتعليل أمر ينساق إليه النظم الكريم.
وقال الرازيّ: بيّن به بهذا، عظيم موقع هذه السورة، لما فيها من التوحيد والنبوَّة والحشر والنشر، والرد على فرق المضلين المبطلين. وأنه يسَّر ذلك لتبشير المتقين وإنذار من خالفهم، وقد ذكرهم بأبلغ وصف شَيِّء وهو اللدد. لأن الألد الذي يتمسك بالباطل ويجادل فيه.
ثم إنه تعالى ختم هذه السورة بموعظة بليغة، فقال تعالى:

.تفسير الآية رقم (98):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [98].
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} أي: قوم لُدٍّ، مثل هؤلاء، إهلاكاً عظيماً: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} أي: تشعر به وتراه: {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} أي: صوتاً خفيّاً.
والمعنى أنهم بادوا وهلكوا وخلت منهم دورهم وأوحشت منهم منازلهم. وكذلك هؤلاء صائرون إلى ما صار إليه أولئك، إن لم يتداركوا بالتوبة.

.سورة طه:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

القول في تأويل قوله تعالى: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [1- 3].
{طه} قدمنا أن الحق في هذه الحروف التي افتتحت بها سورها، أنها أسماء لها. وفيه إشارة إلى أنها مؤلفة منها. ومع ذلك ففي عجزهم عن محاكاتها أبلغ آية على صدقها. ونبه الإمام ابن القيم رحمه الله على نكتة أخرى في الكافية الشافية بقوله:
وانظر إلى السور التي افتتحت بأحْ ** رفها ترى سرّاً عظيم الشان

لم يأت قط بسورة إلا أتى** في إثرها خبر عن القرآن

إذ كان إخباراً به عنها ** وفي هذا الشفاءُ لطالب الإيمان

ويدل أن كلامه هو نفسها ** لا غيرها، والحق ذو تبيان

فانظر إلى مبدا الكتاب وبعدها ال** أعراف ثم كذا إلى لقمان

مع تلوها أيضاً ومع حَمَ ** مع يسَ وافهم مقتضى الفرقان

{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أي: لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا والشقاء في معنى التعب. ومنه المثل: أشقى من رائض مهر.
وقوله تعالى: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} أي: تذكيراً له. أي: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} لتتعب بتبليغه، ولكن تذكرة لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار. والقصد أنه ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة. وقد جرت السنة الإلهية في خطاب الرسول في مواضع من التنزيل، أن ينهاه عن الحزن عليهم وضيق الصدر بهم، كقوله تعالى: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [الأعراف: 2]، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف: 6]، {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر} [آل عِمْرَان: 176]، وهذه الآية من هذا الباب أيضاً.
وفي ذلك كله من تكريم الرسول صلوات الله عليه، وحسن العناية به والرأفة، ما لا يخفى. ثم أشار إلى تضخيم شأن هذا المنزل الكريم، لنسبته إلى المتفرد بصفاته وأفعاله، بقوله: